حقيقة العالم مقولة غير خاضعة لتفكيرنا
2024-04-16

في مجال الأمور التكوينية ذات الواقع المستقل عن الفكر والتصور، تكون الحقيقة مقولة ذات صفة أبدية وخالدة. بمعنى أن الإنسان لو توصل عن طريق إحدى الأدوات الحسية إلى معرفة أمر واقعي كحقيقة من الحقائق فإن ما اكتشفه يكون حقا ثابتا، دائما وأبدا.

وأما إذا اكتشف أمرا بعضه معلوم ومطابق للحقيقة، وبعضه الآخر خطأ كان ذلك القسم الذي يتسم بسمة الحقيقة، حقيقة إلى الأبد، بمعنى أنه لا ولن يتغير أبدا بتغير الظروف وانقلابها.

وبعبارة أخرى، إن النسبية في الحقائق، بمعنى كون حصيلة معرفة في زمان عين الحقيقة، وفي زمان آخر عين الخطأ، لا تتصور في مجال المعرفة التي ترتبط بالتكوينيات.

فإذا كان حاصل ضرب 2 × 2 يساوي 4 مثلا أمرا ثابتاً، فإن هذا يكون ثابتا مطلقا، وإذا لم يكن هكذا فهو ليس هكذا مطلقا.

فلا يمكن أن تكون حصيلة معرفة من المعارف في مرحلة خاصة عين الحقيقة وفي مرحلة أخرى ترتدي رداء الخطأ.

إن النسبية في المعارف والمدركات إنما تتصور في الأمور التي ليس لها واقعية سوى فكر الإنسان وتصديقه وتكون من مواضعاته فمثلا، المجتمع الغربي مختار وحر في انتخاب نظام حكومته. فإذا اتفقوا ذات يوم على صيغة معينة للحكم اتسمت تلك الصيغة بسمة الحقيقة ما داموا متفقين عليها.

وأما إذا اتفقوا - ذات يوم - على عكسها، كانت الصيغة الثانية هي الحقيقة، وفي نفس الوقت يكون كل من المعرفتين في ظرفها الخاص عين الحقيقة.

ولكن الأمور التي لها بذاتها محل مشخص ومحدود خارج الذهن، إذا وقعت في إطار الإدراك بصورة صحيحة وثابتة تكون صحيحة للأبد، وكان خلافها كذلك باطلا دائما وأبدا.

وبتعبير آخر، إن كل شيء له واقعية خارجية وراء ذهن الإنسان فالمعرفة الواقعة عليه يدور أمرها بين الصحة والخطأ، وأما الأمور الاعتبارية التي يصنعها الذهن لأجل أغراض اجتماعية، كصيغة الحكومة، والرئاسة والملكية فهي تتسم بالنسبية وتوصف بها. وتكون حقيقة في ظرف دون آخر.



العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت (عليه السلام)، الشيخ السبحاني، ص21، 22