الاتجاه الحادث في شأن ثنائية الذكر والأنثى
2024-04-23

ولكن استجد في العصر الحاضر في ضمن التغيرات الطارئة في المنظومة الأخلاقية في بعض المجتمعات البشرية اتجاهات تنكر المبدأ الفطري العام السائد في المجتمع الإنساني المبني على ثنائية الجنس الإنساني (الذكر أو الأنثى) وتمثلهما في الوضع الجسدي للإنسان، فاعتبرت الحالات الثلاثة المتقدمة (۱) التي تشد عن ذلك أموراً طبيعية ومقبولة كما اعتبرت العلاقات والسلوكيات الشاذة المترتب عليها أمور مشروعة وسائغة.

ويبدو أنه كان هناك نحو تدرّج في الإذعان بتلك الحالات الشاذة كحالة مشروعة ومقبولة ومستقيمة.

وكان أوّل ما اتفق - كمرحلة أولى - هو الإذعان والقبول بـ (الحالة الأولى) أي - الميول الشاذة المتماثلة.

وقد تطورت المدعيات التي كان يوجه بها قبول ذلك وشرعنته تطورا كبيراً.

١ - فقد كان الطرح الأول مبنياً على أن الميول والمشاعر غير المتعارفة بين المتماثلين ليست حالة اختيارية، ومن ثم يكون منع إقامة العلاقة وفقها مخالفاً

للعدالة.

وهو طرح ضعيف بطبيعة الحال؛ لأن أصحاب الاتجاه الحديث لا يلتزمون في سائر الموارد بأن المشاعر والميول (غير الاختيارية) تجعل السلوك الموافق لها سلوكاً - غير اختياري تماماً، حتى في الأمور الغريزية، ولذلك لم يتقبلوا - غالباً - الاقتران والزواج بالمحارم البالغين وكذلك لم يتقبلوا التعلق الغريزي بالأطفال أو الحيوانات، واعتبروا ذلك ضرباً من الاضطراب النفسي الجسدي الذي لا بد

لصاحبه من الحيلولة دون الاستجابة له في سلوكه وعلاقاته.

٢ - ثم تطور الطرح - بعد التوسع في مساحة الحرية الفردية التي يستحقها الإنسان في الثقافة الحديثة - فطرح قبول الاقتران الشاذ بالمماثل على احترام اختيار الإنسان ما دام أنه لا يؤذي الآخرين؛ فإذا اتفق اثنان بالغان متماثلان على الاقتران الزوجي فليس في ذلك أذى لأحد، ولذلك فلا موجب للمنع عنه، وأدى ذلك إلى رفع الاقتران بالمماثل إلى درجة التأصيل في الحياة على حد الاقتران الزوجي بين الرجل والمرأة.

وكان هذا التعليل أيضاً واهناً مرة أخرى؛ لأن أصحاب هذا الاتجاه لا يلتزمون في سائر الموارد بجواز أي سلوك اختياري للإنسان إذا لم يكن مؤذياً، ولذلك لم يكونوا يتقبلون ـ عموماً - الزواج بالمحارم قانوناً، كما لا يتقبلون الانتحار ويحولون دونه وإن كان خياراً اختيارياً للشخص، وهو لا يؤذي الآخرين بذلك. ٣- ثم تطور الطرح، فأنكروا أن يكون الوضع الطبيعي المستقيم للإنسان يقتضي الميل إلى الجنس المخالف وإن كان ذلك هو الغالب، وقالوا إن الميل إلى الجنس المماثل أيضاً ميل طبيعي مستقيم، وقالوا إن الميل الغريزي لا تتحدد وجهته على أساس عضوي رغم التناسق الجسدي الملحوظ بين الذكر والأنثى، بل تتدخل فيه عوامل أخرى طبيعية كالبيئة الأسرية والاجتماعية وما يتفق خلالها من مشاهد وتجارب وأحداث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المقصود في الحالة الثالثة (أي الاضطرابات الجسدية) بعض مواردها، لأن التشوه في بعضها الآخر ظاهر ولا مجال لاعتباره أمراً طبيعياً.



سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 1، ص50، 51 / تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني