آية المباهلة في اللغة
2024-03-18

قوله تعالى : [فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ]( سورة آل عمران : 61) .

المباهلة: من البهل، والبهل في اللغة بمعنى تخلية الشيء وتركه غير مراعى، هذه

عبارة الراغب في كتاب المفردات (المفردات في غريب القرآن: " بهل ").

وعندما تراجعون القاموس وتاج العروس وغيرهما من الكتب اللغوية ترونهم

يقولون في معنى البهل أنه اللعن (تاج العروس: " بهل ").

لكني رأيت عبارة الراغب أدق، فالبهل هو ترك الشيء غير مراعى، كأن تترك

الحيوان مثلا من غير أن تشده، من غير أن تربطه بمكان، تتركه غير مراعى، تخليه وحاله وطبعه.

وهذا المعنى موجود في رواياتنا بعبارة: " أوكله الله إلى نفسه"، فمن فعل كذا أوكله الله إلى نفسه.

وهذا المعنى دقيق جدا.

تتذكرون في أدعيتكم تقولون: "ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا "، وإنه

لمعنى جليل وعميق جدا، لو أن الإنسان ترك من قبل الله سبحانه وتعالى لحظة، وانقطع ارتباطه بالله سبحانه وتعالى، وانقطع فيض الباري بالنسبة إليه آنا من الآنات، لانعدم هذا الإنسان. لهلك هذا الإنسان.

ولو أردنا تشبيه هذا المعنى بأمر مادي خارجي، فانظروا إلى هذا الضياء، هذا

المصباح، إنه متصل بالمركز المولد، فلو انقطع الاتصال آنا ما لم تجد هناك ضياء ولا نورا من هذا المصباح.

هذا معنى إيكال الإنسان إلى نفسه، تقول "ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا".

هناك كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، أحب أن أقرأ عليكم هذه الكلمة، لاحظوا، أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:

"إن أبغض الخلائق إلى الله رجلان، رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد

السبيل، مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمال لخطايا غيره، رهن بخطيئته" (نهج البلاغة: 51، الخطبة رقم 17).

وجدت عبارة الراغب أدق، معنى البهل، معنى المباهلة: أن يدعو الإنسان ويطلب من الله سبحانه وتعالى أن يترك شخصا بحاله، وأن يوكله إلى نفسه، وعلى ضوء كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الشخص أبغض الخلائق إليه، وأي لعن فوق هذا ، وأي دعاء على أحد أكثر من هذا ؟

لذا عندما نرجع إلى معنى كلمة اللعن في اللغة نراها بمعنى الطرد، الطرد بسخط،

والحرمان من الرحمة، فعندما تلعن شخصا - أي تطلب من الله سبحانه وتعالى أن لا يرحمه - تطلب من الله أن يكون أبغض الخلائق إليه، فالمعنى في القاموس وشرحه أيضا صحيح، إلا أن المعنى في مفردات الراغب أدق، فهذا معنى المباهلة.



محاضرات في الاعتقادات، ج ١، السيد علي الحسيني الميلاني، ص ٣٥ ـ ص37