مراتب التوحيد
2024-02-29

لقد لخّص المحقّقون الإسلاميون البحوث المرتبطة بالتوحيد في أربعة أقسام نذكرها فيما يأتي باختصار:

1. التوحيد في الذات

والمقصود به أنّ اللَّه واحد أحد لا شريك له ولا نظير ولا يتصور له شبيه ولا مثيل.

بل انّ ذاته المقدّسة بسيطة غير مركبة، من أجزاء كما هو شأن الأجسام.

2. التوحيد في الصفات

ويراد منه أنّ اللَّه تعالى وإن كان متّصفاً بصفات عديدة كالعلم والقدرة والحياة، إلّا أنّ هذا التعدّد إنّما هو باعتبار المفهوم الذهني وليس باعتبار الوجود والواقع الخارجي، بمعنى أنّ كل واحدة من هذه الصفات هي ((عين)) الأُخرى وليست ((غير)) الأُخرى، وهي أجمع ((عين)) الذات وليست ((غير)) الذات.

فعلم اللَّه - مثلًا - هو ((عين)) ذاته، فذاته كلّها علم، في حين تكون ذاته كلها ((عين)) القدرة، لا أن حقيقة العلم في الذات الإلهية شيء، وحقيقة القدرة شيء آخر، بل كل واحدة منهما ((عين)) الأُخرى، وكلتاهما ((عين)) الذات المقدسة.

ولتقريب المعنى المذكور نلفت نظر القارئ الكريم إلى المثال التالي فنقول:

من الواضح أنّ كل واحد منّا ((معلوم)) للَّه، كما أنّه ((مخلوق)) للَّه في نفس الوقت.

صحيح أنّ مفهوم ((المعلومية)) غير مفهوم ((المخلوقية)) في مقام الاعتبار الذهني وعند التحليل العقلي البحت، ولكنَّهما في مقام التطبيق الخارجي واحد، فإنّ وجودنا بأسره معلوم للَّه، كما أنّ وجودنا بأسره مخلوق للَّه في نفس الوقت.. هكذا وجود واحد باعتبارين.

فهما (أي المعلومية والمخلوقية) المتصف بهما وجودنا ليسا في مقام المصداق الخارجي إلّا ((عين)) الأُخرى، وهما ((عين)) ذاتنا، لا أنّ قسماً من ذاتنا هو المعلوم للَّه والقسم الآخر هو المخلوق له تعالى، بل كل ذاتنا بأسره مخلوق ومعلوم للَّه في آن واحد.

3. التوحيد في الأفعال

نحن نعلم أنّ هناك في عالم الطبيعة سلسلة من العلل والأسباب الطبيعية لها آثار خاصة ك:

الشمس والإشراق الذي هو أثرها ومعلولها، والنار والإحراق الذي هو أثرها ومعلولها، والسيف والقطع الذي هو أثره ومعلوله.

والتوحيد الافعالي هو أن نعتقد بأنّ هذه ((الآثار)) مخلوقة هي أيضاً للَّه تعالى كما أنّ عللها مخلوقة له سبحانه.

بمعنى أنّ اللَّه الذي خلق العلل المذكورة هو الذي منحها تلك ((الآثار)).

4. التوحيد في العبادة

ونعني أنّ العبادة لا تكون إلّا للَّه وحده، وأنّه لا يستحق أحد أن يتخذ معبوداً مهما بلغ من الكمال والجلال وحاز من الشرف والعلاء.




مفاهيم القرآن، ج ١، الشيخ السبحاني، ص13 ــ ص ١8