مشروعية الاقتران الحميم مع الجنس الآخر
2024-02-26

وهذا الأمر في الحقيقة هو استثناء من أصل العفاف ومشاعر الحياء.

 ويتبلور هذا الهدي في داخل الإنسان تدريجاً من خلال ما زرعه سبحانه في الإنسان من الشعور بالحاجة الغريزية إلى شخص آخر من نوعه، وهي حاجة تدعو إلى المعايشة مع هذا الشخص في حياة مشتركة يكونان به أسرة واحدة تفي لهما بالحاجة الغريزية التي طبعا عليها ويتبادلان المودة والمحبة وينجبان الأولاد ويتشاركان مسؤوليات الحياة داخل البيت وخارجه، ويكونان بذلك سبباً لاستمرار النوع الإنساني.

ثم من خلال هذا الشعور الذي لا يجد الإنسان مناصاً منه أُلهِم الإنسان بمشروعية الاقتران الحميم.

ولأجل ذلك خُلِقَ الإنسان بصورة جنسين رائعين متكاملين ذكراً وأنثى، فزود كل منهما جسداً ونفساً وسلوكاً بمميزات وخصائص يفقدها الآخر ويجد فيها روعة وجمالاً حتى ينجذب كل منهما إلى الآخر بما يجده فيه من الخصائص الجسدية والنفسية المغرية.

فكانت ثنائية الرجل والمرأة بذلك ثنائية رائعة ومذهلة ومميزة للغاية من روائع

الخلق بما تتضمنها من التناسق الجسدي والوظيفي والنفسي والسلوكي.

وبيان ما ذكرناه من انفتاق هذا الهدي في داخل الإنسان وتبلوره تدريجاً:

إننا عرفنا أن هذا الشعور الإنساني الغريزي بالحاجة إلى العلاقة الغريزية هو نحو استثناء من الشعور الأولي العام بالعفاف والحياء الموجب لحفظ خصوصية المواضع الخاصة عن الآخرين، والذي يجده الإنسان بشكل فطري منذ اكتساب شيء من الوعي ويشتد إلى مرحلة المراهقة.

ثم يبدأ هذا الشعور الغريزي بالانفتاق بشكل طبيعي في وقت متأخر عن الشعور بالحياء، فهو ينقدح في داخله عند تكامل الاستعداد الجسمي والنفسي والذهني للإنسان ببلوغ المراهقة فيبدأ هذا الشعور عنده بما يجده من إحساس غريزي غريب لديه إلى الجنس الآخر، وقد يتهم الشاب المراهق نفسه عندما يجد هذا الشعور لأول وهلة بالخروج عن مقتضيات الحياء الفطري، إلا أنه مع اشتداد هذا الشعور يُلهم بأن ذلك شعور فطري ولا يعتبر مثلبة فيه، ومن المفروض أن يستجيب له من خلال تكوين علاقة حميمة مع آخر من غير جنسه.

 ثم يتجدد له مضافاً إلى الداعي الغريزي داعي الحاجة إلى تكوين الأسرة، ومعناها هو أن يعيش الإنسان مع قرينه عيشاً مشتركاً حميماً وتكون بينهما مودة ورحمة خاصة وتعاون على الإيفاء بشؤون الحياة.

ثم يتجدد له تدريجاً الشعور بالرغبة في الأبوة والأمومة من خلال الإنجاب.




سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 1، ص34 ــ ص36

تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني