أسناد نهج البلاغة
2024-02-21

ما من شك في أنّ خطب ورسائل نهج البلاغة وكلماته القصار وردت (على ضوء جمعها من قبل المرحوم السيد الرضي) على نحو الروايات المرسلة؛ أي لم تذكر أسانيدها بما يجعلها متصلة بالمعصومين، وقد أدى هذه بدوره إلى تشكيك البعض أحياناً، ولا سيما بالنسبة لُاولئك الذين ظنوا بأن نهج البلاغة وبفضل مضامينه العظيمة قد يكون سنداً لاثبات حقانية مذهب الشيعة وأفضلية علي (عليه السلام) على جميع الصحابة؛ فاتخذوا ذلك ذريعة لفرض طوق من العزلة على هذا الكتاب في أوساط الرأي العام الإسلامي. وإن كانت هذه الزوبعة - ولحسن الحظ - لم يكن لها أدنى تأثير في أفكار علماء وأدباء الفريقين الذين كسروا حاجز الصمت وكالوا له المديح والثناء وخاضوا في شرحه وتفسيره، وقد مرت علينا نماذج من ذلك، مع ذلك نرى من الضروري الخوض في قضية أسناد النهج بغية إزالة الشك وإماطة اللثام عن حقيقة هذا الكتاب وهنا لابدّ من الالتفات إلى أمرين:

1 - أنّ أغلب خطب نهج البلاغة ورسائله وكلماته القصار - إذا لم نقل جميعها سوى معشاره - إنّما هي من قبيل المطالب المستدلة المبرهنة أو ذات الاستدلال المنطقي، بعبارة أخرى من قبيل ((القضايا التي قياساتها معها)). وعليه: فهي ليست بحاجة إلى سلسلة السند بصفتها مباحث تعبدية، فالأعم الأغلب من المضامين وردت بشأن المعارف العقائدية من قبيل: المبدأ والمعاد والصفات وأدلة عظمة القرآن ونبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) وما شاكل ذلك. كما وردت بعض المضامين كمواعظ ونصائح ودروس وعبر بشأن حياة الأمم السابقة ونظم إدارة شؤون البلاد والحياة الاجتماعية والآداب ومسائل الجهاد وما إلى ذلك من المباحث المنطقية الاستدلالية الخاضعة للدليل والبرهان.

2 - بغض النظر عمّا سبق، فإننا لا نرى من عقبة في هذا الأمر حتى وإن اعتمدنا المعايير المتعارفة لحجية السند بالنسبة لنهج البلاغة ؛ وذلك لأنّ المعيار الأصلي لقبول الحديث والرواية - على ضوء ما فرغ منه في علم الأصول وبرهن في محله - إنّما يتأتى الوثوق بها من طرق مختلفة؛ فأحياناً يحصل الوثوق بالرواية من خلال سلسلة السند وثقة الرواة، كما يحصل أحياناً أخرى مثل هذا الوثوق بواسطة كثرة الرواة - وفي الكتب المشهورة والمعتبرة -، وأخيراً قد يكون مضمون الرواية على درجة من العمق والرصانة على أنّه إنّما صدر من النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام المعصوم؛ الأمر الذي يجعلنا نثق بهذه الرواية وهذا ما ذكروه بالنسبة لزبور آل محمد (صلى الله عليه وآله) الصحيفة السجادية (إلى جانب الاسناد المعتبرة التي أوردها بهذا الشأن)، بفضلها ضمت أدعية رفيعة سامية ذات مضامين عميقة صدرت عن الإمام السجاد علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).

وعلى حد تعبير كبار علماء الفريقين: ((إنّ كلامه فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق)).



نفحات الولاية، ج ١، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص 31، 32