أقوال العظماء بشأن جاذبية نهج البلاغة
2024-02-17

الأقوال التي ساقها كبار جهابذة العلماء بخصوص الجاذبية الكامنة في نهج البلاغة تعتبر من الشواهد التي تعزز ما أوردناه سابقاً بهذا الشأن:

فالسيد الرضي جامع نهج البلاغة الرائد الذي يعدّ من مشاهير الأدباء العرب

يصرح أحياناً حين نقله لبعض الخطب ببعض العبارات التي تكشف عن عمق افتتانه بما يورد وعدم تمالكه لنفسه تجاه قوة سبك عبارات صاحب النهج. ومن ذلك أنّه قال إثر نقله للخطبة رقم ((83)) من نهج البلاغة

 ((وفي الخبر أنّه لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت له الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب))

ونقرأ في خطبة المتقين - حين سأله ذلك العارف ((همام)) عن صفات المتقين - أنّه حين بلغ ذلك الموضع من الخطبة، صعق همام صعقة كانت نفسه فيها، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

((امّا واللَّه لقد خفتها عليه، هكذا تفعل المواعظ البالغة في أهلها)).

كما علق السيد الرضي على الخطبة رقم ((28)) ليعرب عن عمق أثرها في روحه وعقله فقال: ((إنّه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا، ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعاً لعلائق الآمال، وقادحاً زناد الاتعاظ والازدجار . . .)) وأضاف: ((ومن أعجبه قوله عليه السلام: ((ألا إنّ اليوم المضمار وغدا السباق، والسبقة الجنّة والغاية النار))

فان فيه مع فخامة اللفظ، وعظم قدر المعنى، وصادق التمثيل وواقع التشبيه سراً عجيباً ومعنى لطيفاً . . . فتأمل ذلك فان باطن كلامه عجيب، وغوره بعيد لطيف، وكذلك أكثر كلامه (عليه السلام).

وقال ذيل الخطبة ((16)):

((إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الاحسان مالا تبلغه مواقع الاستحسان، وان حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به)).

وفيه - مع الحال التي وصفنا - زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان، ولا يطلع فجها إنسان، ولا يعرف ما أقول إلّا من ضرب في هذه الصناعة بحق، وجرى فيها على عرق ((وما يعقلها إلّاالعالمون)).

وهكذا نقل ما أورده المفسر والمحدث المعروف ((ابن عباس)) حين ألقى الإمام خطبته الشقشقية حين قام إليه رجل من أهل السواد فناوله كتاباً، فأقبل ينظر فيه، فقال له: يا أمير المؤمنين، لو أطردت خطبتك من حيث أفضيت. فقال:

((هيهات يا بن عباس! تلك شقشقة هدرت ثم قرت))

قال ابن عباس: ((فو اللَّه ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام ألا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد)).

فقد قال ابن أبي الحديد:

((هو سيد المجاهدين وأبلغ الواعظين ورئيس الفقهاء والمفسرين وإمام أهل العدل والموحدين)). (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 7 / 202. (بتلخيص))



نفحات الولاية، ج ١، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص٢٩، 30