اشتمال الهدي الفطري على تأصيل العفاف والحياء وتكامل الذكر والأنثى
2024-02-13

الأمر الأول: تأصيل ضرورة العفاف.

وهو حفظ الخصائص الجسدية الخاصة - في الذكر والأنثى - عن الآخرين، سواء كان ذلك باطلاع الآخرين عليها أو لمسها أو أي نحو من مساسهم بها. فهذا التأصيل مما يجده الإنسان كهدي فطري أخلاقي، حيث يجد أنه لا ينبغي له إبداء الخصائص الجسدية أمام الآخرين أو مساسهم بها، بل ينبغي حفظها وسترها، وهذا وجدان مشترك ومشهود لدى جميع المجتمعات البشرية على اختلاف بين مستويات رعايته فيها.

وهذا الهدي هو كسائر المبادئ الأخلاقية المودعة في الضمير الإنساني مدعوم بمشاعر الاستحسان والاستقباح فيشعر الإنسان بحسن التستر مما يدفعه إلى الثناء على صاحبه كما يشعر بقبح التكشف والاستهتار مما يدفعه إلى ذم فاعله ولومه على ذلك.

وكذلك يجد الإنسان هذا التأصيل كهدي نفسي من خلال الشعور بالحياء، وهو شعور راق قد دعم به أصل العفاف في داخل الإنسان، ويجد الإنسان الشعور بالحياء منذ الطفولة بعد نمو الوعي لديه بعض الشيء، حيث يسعى إلى حفظ المواضع الخاصة من بدنه عن الآخرين حتى الوالدين اللذين كانا معنيين بحوائجه الخاصة فيحافظ على خصوصيتها ويجد حرجاً في انكشافها وملامستها والحديث عنها من قبل الآخرين، وهكذا ينمو فيه هذا الوعي حتى مرحلة المراهقة فما بعدها ما لم تشوه فطرته البيئات الخاطئة.

فلهذه الصفة التي فطر عليها الإنسان دور أساس في صيانة الإنسان عن السلوكيات الذميمة المجافية للأخلاق، كما هو ملحوظ بالوجدان.

ومن الأمور الخطيرة إلغاء صفة الحياء على أساس أنه ليس هناك ما يصح أن يستحى منه بذريعة أن الإنسان خلق على هذا الوضع الخاص جسدياً وغرائزياً، فلا ضير في أي تصرف غير مؤذ للآخرين.

ووجه الخطورة في ذلك أن هذا الموقف إلغاء لصفة أساسية في فطرة الإنسان فلسفتها الحد من الأمور الغريزية والانغماس فيها وإيجاد التوازن في شخصية الإنسان بين رغباته الغريزية وبين سائر مصالحه كالجوانب الروحية والمعنوية والأخلاقية، فالإنسان كما زود بالغريزة لتكوين الأسرة وبقاء النوع فقد زود بصفة مضادة لها تحد من الاسترسال فيها وهي صفة الحياء، وتلك هي تركيبة النفس الإنسانية بظرائفها ودقائقها، ولا يصح بتر شيء من صفاتها، بل ينبغي إدراك مواضعها والدور المفترض لها وصيانتها عن التفريط والإفراط.

بل هناك شعور إنساني آخر راق يحمي مبدأ العفاف، وهو يتمثل في صفة الغيرة التي تمد الإنسان بالإباء عن وقوع محذور أخلاقي للآخرين خاصة ما يتعلق بالإنسان ولا سيما الإناث كالزوجة والأم والبنت والأخت.

وهذه الصفة أيضاً يسعى البعض لإلغائها على أساس أنها ضرب من الأنانية أو التدخل في شأن الآخرين وهو خطأ ناشئ عن عدم فهم تركيبة النفس الإنسانية. ويستبطن تأصيل العفاف والحياء في داخل الإنسان هدياً حكمياً في داخل الإنسان، لأن هاتين الصفتين تضمنان للإنسان التوازن في الاستجابة للغريزة مما يساعد على السعادة ويقيه من كثير من وجوه المضرة مما ينافي الصالح الخاص والعام. وهكذا نلاحظ أن الإنسان مزود بتأصيل العفاف في كل من هديه الأخلاقي والنفسي والحكمي.



سلسلة مقالات من كتاب (تكامل الذكر والانثى في الحياة)، ح 1، ص31 ـ ص33

تأليف: السيّد محمّد باقر السيستاني