المضامين الرصينة الشاملة لنهج البلاغة
2024-02-11

من المميزات التي يتصف بها نهج البلاغة التي تلفت انتباه القارئ إذا ما أقبل عليه إنّما تكمن في شموليته وتنوع مضامينه الرصينة، بحيث ((تجعله يصدق أنّ هذه الأقوال المتقنة الدقيقة التي تعالج أموراً شتى تصل إلى حدِّ التضارب إنّما تصدر من عين واحدة، ومن المسلم به أنّ هذا الأمر لا يصدر إلّا من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي أودع قلباً حافظاً وروحاً سامية تفيض علوماً ومعارف إلهية حقة وأسراراً جمة لا يسعها سوى ذلك القلب. ويسرنا هنا أن نستشهد بالإقوال التي ساقها كبار العلماء والمفكرين بهذا الخصوص)).

ونستهل ذلك بما أورده العالم المعروف ((محمد عبده)) إمام العامة، فقد رسم صورة رائعة عن حاله وهو يطالع لأول مرة نهج البلاغة وما اشتمل عليه من خطب ورسائل وكلمات قصار عجزت العقول أن تجود بمثلها فصاحة وصياغة وبلاغة، فقال: ((وكان لطيف الحِسّ، نقيّ الجوهر، وضاء النَّفس؛ سليمَ الذّوق، مستقيم الرأي، حسنَ الطريقة سريع البديهة، حاضر الخاطر؛ حوّلًا قلبًا؛ عارفاً بمهمّات الأمور إصداراً وإيراداً)).

نقل ((الشيخ البهائي)) في ((كشكوله)) عن كتاب ((الجواهر)) ان ((أبو عبيدة)) قال: قال علي (عليه السلام) تسع جمل عجزت بلغاء العرب عن الإتيان بواحدة منها؛ ثلاث في المناجاة، وثلاث في العلوم، وثلاث في الأدب. (كشكول الشيخ البهائي 3 / 397) ثم خاض في شرح هذه العبارات التي وردت ضمن كلماته في نهج البلاغة وسائر أحاديثه.

الدكتور ((زكي مبارك)) الذي صرّح في كتابه ((عبقرية الشريف الرضي)) قائلًا: ((أعتقد أنّ دراسة نهج البلاغة تمنح الإنسان المروءة والشهامة وسمو الروح، ولا عجب فهو ينبع من نفس عظيمة واجهت الوقائع والحوادث بشجاعة الأسود)) (عبقرية الشريف الرضي 1 / 396).



نفحات الولاية، ج ١، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص ٢٣