أدلّة مُؤيّدي نظرية ثبات الأخلاق، وعَدم تغيّرها
2024-01-29

وفي مقابل ما ذكرناه آنفاً، إستدلّ البعض برواياتٍ يظهر منها أنّ الأخلاق غير قابلةٍ للتغيير، ومنها:

1 - الحديث المعروف الوارد عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، حيث قال: ((النّاسُ مَعادِنٌ كَمَعادِنِ الذَّهبِ وَالفِضَّةِ، خِيارُهُم فِي الجَاهِليّةِ خِيارُهُم فِي الإسلامِ)).

2 - الحديث الآخر الوارد أيضاً عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله):

((إذا سَمِعتُم أَنَّ جَبَلًا زالَ عَن مَكانِهِ فَصدِّقُوهُ، وَإذا سَمِعتُم بِرَجُلٍ زَالَ عَن خُلقِهِ فَلا تُصَدِّقُوهُ! فإنَّهُ سَيعُودُ إلى ما جُبِلَ عَلَيهِ)) (جامع السّعادات، ج1، ص 24).

الجواب: إنّ تفسير مثل هذهِ الروايات، وبالنّظر للأدلة السّابقة، والروايات التي تصرّح بإمكانية تغير الأخلاق، ليس بالأمر العسير، لأنّ النّقطة المهمّة والمقبولة في المسألة، أنّ نفوس الناس بالطبع متفاوتة، فبعضها من ذَهبٍ والبعض الآخر من فضّةٍ، ولكنّ هذا لا يدلّ على عدم إمكانية تغيير هذه النفوس والطبائع.

وبعبارةٍ اخرَى: إنّ مثل هذهِ الصّفات النّفسية في حدّ المقتضي: ليس علّةً تامّةً، ولذلك رأينا وبالتجربة أشخاصاً تغيّرت أخلاقهم بالكامل، ويعود الفضل في ذلك للتربية والتعليم.

وعلاوةً على ذلك، إنّنا إذا أردنا أن نعمّم الحكم، في الحديث الشّريف، على جميع النّاس، فهذا يعني أنّهم كلّهم ذَووا خُلقٍ حَسنٍ. فبعضهم حسنٌ والبعض الآخر أحسَن، (كما هو الحال في الذّهب والفضّة). وعليه: فَلَن يبقى مكانٌ للأخلاق السّيئة في طبع الإنسان. (فتأمّل).

وبالنّسبة للحديث الثاني، نرى أنّ المسألة أيضاً هي من باب المُقتضي، وليس علّةً تامّةً، أو بعبارة اخرَى: إنّ الحديث ناظرٌ لأغلبية الناس، وليس جميعهم، وإلّا لخالف مضمون الحديث، صريح التّأريخ، الذي حكى لنا قَصصاً حقيقيّةً عن أفرادٍ استطاعوا تغيير أنفسهم.



الأخلاق في القرآن، ج ١، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص ٢٧