الخامس من شهر شوال توجه الامام امير المؤمنين(عليه السلام) الى صفين سنة (36)هجري
2020-05-27

بدأت ملامح المعركة تلوح في الأفق بعد مقتل عثمان بن عفان ومبايعة أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة؛ حيث قرر الإمام عليه السلام عزل معاوية وتنصيب عبد الله بن عباس على ولاية الشام، وكتب في ذلك إلى معاوية قائلاً: إن الناس قد قتلوا عثمان عن غير مشورة منّي وبايعوا لي عن مشورة منهم واجتماع فبايع وفد إليّ في أشراف أهل الشام

فرفض معاوية قرار أمير المؤمنين علي عليه السلام وطالب بتسليم قتلة عثمان لكي يقيم الحد عليهم.

وبعد أن انتهت معركة الجمل عاد أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة وبذل قصارى جهده لاقناع معاوية في الدخول فيما دخل المسلمون فيه. كما قام أيضاً بنزع جريراً بن عبد الله البجلي عن همدان فجاء حتى نزل الكوفة، فبعثه أمير المؤمنين إلى معاوية رسولاً ليبلغه:

أما بعد، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام... فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإنّ أحبّ الأمور إليّ فيك العافية، إلا أن تتعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتك، واستعنت بالله عليك. وقد أكثرت في قتله عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إليّ أحملك وإياهم على كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فخدعه الصبي عن اللبن. ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان ولم يرد معاوية على كتابه عليه السلام

فأجاب معاوية جرير بالانتظار حتى يأخذ رأي أهل الشام في ذلك. فأمر معاوية للصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس صعد المنبر وقال بعد كلام طويل حرّض من خلاله أهل الشام على الالتزام بالقصاص من قتلة عثمان، فقاموا بأجمعهم وأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك، وأوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم حتى يدركوا ثأره أو يفني الله أرواحهم.

وكان قد وضع معاوية قميص عثمان وأصابع زوجته نائلة على المنبر وكتب بالخبر وثاب إليه الناس وبكوا سنة وهو على المنبر والأصابع معلقة فيه. وآلا الرجال من أهل الشام ألا يأتوا النساء ولا يمسهم الماء للغسل إلا من احتلام ولا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان ومن عرض دونهم بشيء أو تفنى أرواحهم فمكثوا حول القميص سنة. والقميص يوضع كل يوم على المنبر ويجلله أحياناً فيلبسه وعلق في أردانه أصابع نائلة زوجته.

أمير المؤمنين (ع) يستنفر الناس

لما رجع جرير إلى علي عليه السلام حاملاً إليه كتاب معاوية بالحرب، ولما رأى أمير المؤمنين عليه السلام أن التحركات السياسية لم تمنع معاوية عن غيّه، وأن الرجل لا تنفع معه إلا لغة القوة من جهة، وإصرار كبار الكوفيين على مواجهة معاوية من جهة أخرى، دعا من كان معه من المهاجرين والأنصار وجمعهم وأخذ برأيهم في قتال عدوهم وعدو الإسلام، فصوبوا رأيه وناصروه على ذلك. وكذلك كتب أمير المؤمنين إلى عماله في بلاد المسلمين يستنفرهم للجهاد ضد العصاة الذين عطلوا الحدود وأماتوا الحق وأظهروا الفساد في الأرض. كذلك صعد أمير المؤمنين وولداه الحسن والحسين عليهم السلام على المنبر وخطبوا بالمسلمين ودعوهم إلى الجهاد في سبيل الله ونصرة الدين الحق ضد الفئة الباغية. فقال أمير المؤمنين عليه السلام للناس:

إن الله قد أكرمكم بدينه وخلقكم لعبادته فانصبوا أنفسكم في أداء حقه وتنجزوا موعوده واعلموا أن الله جعل أمراس الإسلام متينة وعراه وثيقة ثم جعل الطاعة حظ الأنفس برضا الرب وغنيمة الأكياس عند تفريط الفجرة وقد حملت أمر أسودها وأحمرها. ونحن سائرون إن شاء الله إلى من سَفِهَ نَفْسَهُ وتناول ما ليس له وما لا يدركه - معاوية وجنده الفئة الباغية الطاغية...».

فأجاب علياً عليه السلام إلى المسير جلّ الناس من المهاجرين والأنصار وأهل الكوفة، وخرج عليه السلام فعسكر بالنخيلة وتخلف عنه نفر من أهل الكوفة، وقدم عليه عبد الله بن عباس فيمن معه من أهل البصرة.

المسير إلى صفين

فلما نزل علي عليه السلام النخيلة متوجهاً إلى الشام وبلغ معاوية خبره وهو يومئذ بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان مخضباً بالدم وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون حوله فخطبهم وحثهم على القتال، فأعطوه الطاعة وانقادوا له وجمع إليه أطرافه واستعد للقاء علي.

وبعد ذلك بعث علي عليه السلام زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف، وبعث مع شريح بن هانئ أربعة آلاف، وسار علي من النخيلة وأخذ معه من بالمدائن من المقاتلة، وولي علي عليه السلام على المدائن سعد بن مسعود عم المختار بن أبي عبيد الثقفي، ووجه عليه السلام من المدائن معقل بن قيس في ثلاثة آلاف. وأمره أن يأخذ على الموصل حتى يوافيه الرقة. فلما وصل إلى الرقة قال لأهلها ليعملوا له جسراً يعبر عليه إلى الشام، فأبوا وكانوا قد ضموا سفنهم إليهم، فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج، وخلف عليهم الأشتر، فناداهم الأشتر وحذرهم من مغبة ما هم مقبلين عليه، فبعثوا إليه إنا ناصبون لكم جسراً فأقبلوا، وجاء علي عليه السلام فنصبوا له الجسر فعبر عليه بالأثقال والرجال. ثم أمر علي الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق من الناس أحد إلا عبر ثم إنه عبر آخر الناس رجلاً.

فأكمل جيش أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى أن وصل إلى بلدة صفين والتقى بها مع جيش معاوية وأهل الشام.