من ثناء الإمام السجاد (عليه السلام) لعمه العباس(ع) بقول : وإن للعباس منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة
2020-03-28

إن التاريخ لم يفرد للعباس عليه السلام بالتدوين صحيفة يؤخذ منها مقامه، حتى أن الرجاليين منا لم يذكروا له ترجمة، لعدم انتهاء رواياته إليهم واستغنائه عن المدح عندهم. ولقد أجاد كل الإجادة شيخنا الشيخ محمد طه نجف ـ في كتاب رجاله ـ إذ قال فيه: "إنه ع أجل من أن يذكر في عداد سائر الرجال، بل المناسب أن يذكر عند ذكر أهل البيت المعصومين عليهم السلام". ولكن تعرف مكانته السامية التي تصعد به إلى مرتبة العصمة، من التدبّر في بعض ما ورد في حقه عن الأئمة المعصومين، فمن ذلك مخاطبة الإمام الصادق ع له في زيارته بقول: «لعن الله أمة استحلت منك المحارم، وانتهكت في قتلك حرمة الإسلام». إذ أن حرمة الإسلام لا تنتهك بقتل أي مسلم مهما كان عظيماً، إلا أن يكون هو الإمام المعصوم، وما ذلك إلا لبلوغ العباس المراتب المساوية ـ في العلم والعمل ـ لمقام أهل العصمة.

ومن ثناء الإمام السجاد ع عليه بقول: «وإن للعباس منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة». وهذا عام يشمل حتى علي بن الحسين الأكبر قتيل الطف وغيره من شهداء الطفذ وغيرهم، مع أن علي بن الحسين من المعصومين حكماً أو موضوعاً، لما جاء في زيارته في قول الحجّة ـ على قول ـ: «وجعلك من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً». ولكن في كثير من زياراته هكذا: «وجعلك من ذرّية أهل البيت...» الخ. وربما يستشعر ذلك من قول الصادق فيه: «مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيين»، لأن مقترف الذنوب لا يصلح عده في الصالحين ولا في المقتدين بهم..... إن من صلابة إيمان العباس ونفوذ بصيرته أنه ألقي له ولأخوته الأمان يوم الطف فنبذه، وجاهد مع أخيه الحسين ع وواساه بنفسه واخوته حتى قتلوا بين يديه. ومن صلابة إيمانه ونفوذ بصيرته أنه قدم أخوته خلصاءه إلى الموت أمامه ليرزأ بهم ويحتسبهم، فيشتد حزنه ويعظم أجره، ويكون هو الطالب بدمائهم، لأنهم لا ولد لهم. ومن صلابة إيمانه ونفوذ بصيرته أنه لما ملك الماء يوم الطف، وقد ذكر عطش أخيه الحسين، نفضه من يده مواساة له، حتى في احتمال العطش، فخصّ من دون جميع أخوته وسائر من معه بقول الصادق ع: «فنعم الأخ المواسي»، وبقول السجاد ع: «رحم الله عمي العباس، فقد آثر وأبلى».

_________

المصدر

 رسائل الشعائر الحسينية ج٣ صفحة ١٢٢