قصة من واقعنا .. لا يزال العراق منبع الغيرة والكرم
2019-06-11

أعتدتُ أثناءَ عودتي من العمل أن أركبَ سيارةَ ( الكيا ) اليومُ وأثناء عودتي من العمل وكالمعتاد ركبتُ أنا ومجموعة من الأشخاص في ( الكياّ ) بعد مسافةٍ ليست ببعيدة من مكان تحرك ( الكياّ ) أستوقفتنا أمرآة يبدو عمرها في بداية الربيع الأربعيني فتوقف لها السائق جانباً ففتحت الباب وقالت بنبرةٍ موجعة تسكن خلفها ملايين الآهات ( أخويه .. ماعندي كروه .. أصعد ؟؟ ) بدونِ تردد أجاب السائق ( أصعدي أختي .. حياج الله ) .

بعد لحظات من صعود المرآة داخل ( الكياّ ) كأنها أطلقت بصعودها ( صفارة الأنطلاق ) لبداية مباراة معينة , فتسارع الجميع الى جيوبهم ليخرجوا منها قيمة الكروه ( 500 ) دينار , وبدت على الجميع ملامح التنافس بالظفر للفوز بالمركز الأول حتى حسمها السائق لصالحه حينما قال ( أني أبو السيارة .. وكروة الاخت مدفوعة من يمي ) .

ربما إلى هنا لم تنتهي المباراة بعد ولم يقبلَ الجميع بتلك النتيجة التي حسمت للسائق بشوطها الأول .. فما هي إلا لحظات وقد بدأ الشوط الثاني عندما تقدمَ رجلٌ اربعيني مازال الشيبُ برأسهِ في بداية أشتعاله ليخرجَ من محفظته القديمة ( خمسة ألاف دينار ) فكانت البداية لهجمة مرتدة أخرى , فوضع المبلغ بيدِ شخص كان جالساً بالقرب مني ليعطيه لتلك المرآة التي كانت تجلسُ في الخانة الأخيرة من ( الكياَ ) مردداً بالقول المكتسي بالحياء ( هاي من أخوج ) .

هنا أكتسبَ فريقنا روح المبادرة وأصبحت الكرة في ملعبنا وكلمحِ البصر إزداد الهجوم نحو مرمى الخير فأخرج كل واحدٍ منا محفظته وأخرج منها مبلغاً من المال ليضعهُ ايضاً بيدِ الشخص الجالسُ بالقرب مني ليوصله الى تلك المرأة , هذا الشخص كان شابً صغيراً لا يتجاوز من العمر ربما السبعة عشر عاماً لكنه فعلَ فعلةً كأنه بعمر الشيخ الحكيم صاحب الثمانيين عاماً عندما فتح محفظته ووجد فيها ( ستة الاف دينار ) حسبتهُ بانه سيعطي ( ألف دينار ) ويبقي الخمسة لكنه فعل العكس وأبقى في محفظته ( ألف دينار فقط ) وأعطى الخمسة آلاف لتلك المرأة .

بعد دقائقَ إضافية من تلك المباراة الخيرية تخللتها لحظات صمت جميلة ، كانت هناك ( عجوز ) تجاوزت تجاعيد وجهها ( الستون عاماً ) تحملُ معها داخل ( الكياّ ) مجموعة ( علاليگ ) فيها خضراوات وفواكه .

هي الوحيدة التي لم تدفع شيئاً لكنها عملت شيئاً أعظم من أن تدفع المال .

أخرجت من جيبها كيسا فارغا وفتحت أكياسها الممتلئة وأخذت بملئ ذاك الكيس الفارغ بالخضراوات والفواكه ، وهي تردد ( والله يا بنتي ماضل عندي فلوس ، هاچ ذني لجهالچ ) .

اجواء صمت رهيبة تستشعر فيها بأنك ولدت من رحم ( الكيا ) بجوها الإنساني الرهيب لتبتعد عن كل الوحشية التي عاصرتها في رحم تلك الحياة على مدار سنوات 

العبرة يا أخوتي - الانسانية لازالت في قلوبنا لنستثمرها بشكلها الصحيح


منقول .. "المقالة تعبر عن رأي صاحبها و لا تمثل بالضرورة وجهة نظر المعهد"